كشفت دراسة وهي الأولى من نوعها بأن هيكلية دماغ المرأة تتغير وبشكل ملفت للنظر خلال فترة حملها الأول، وبشكل يستمر لعامين على أقل تقدير؛ بشيء من التفصيل، فإن الأنسجة الداكنة في الدماغ تنكمش في المناطق التي تشترك في المعالجة والاستجابة للمؤشرات الاجتماعية، وهذا قد يعني أن أدمغة الأمهات حديثي الولادة تكون أكثر تعزيزاً وكفاءة في مناطق تساعدهن على القيام ببعض الوظائف، كالاستجابة لاحتياجات أطفالهن، ورصد التهديدات التي قد يمثلها أشخاص في محيطهن. ترتبط التغييرات باختبارات قياسية بمدى تعلق الأم بطفلها -وتحدث سواء أكان حمل المرأة طبيعياً أو باستخدام التلقيح المخبري.
“نحن بالطبع لا نرغب بأن نوصل رسالة -من خلال هذه الأسطر -أن “الحمل سيفقدك عقلك” تقول المؤلفة الرئيسية للدراسة (ايلسلين هويكزيما)، عالمة الأعصاب في جامعة ليدن الهولندية، وأيضاً أم لطفل في عامه الثاني، “إن التقلص الحاصل في حجم الأنسجة الداكنة قد يشكل أيضاً عملية نافعة لأجل الوصول للنضوج والتخصص.”
تمثل أشهر الحمل فترة من التغيرات الجسدية والفسيولوجية الكبيرة والنشطة هورمونياً، فكمية الدم ومستويات الإفرازات الهورمونية وامتصاص العناصر الغذائية، بالإضافة للقدرات الفسيولوجية الأخرى تزداد بشكل كبير.
إن تغيرات أخرى، بحسب شهادات مروية من نساء حوامل مثل النسيان وصعوبة التركيز تعتبر غير موثوقة، في حين أظهرت دراسات متعلقة بالحيوانات بأن الحمل مرتبط وبوضوح بتغيرات تشريحية طويلة الأمد في الدماغ -مصحوبة بتغيرات تكيفية، وكمثال على ذلك فإن الأمهات القوارض تصبح أكثر مهارة في جمعها للطعام. عملياً لم تقم أيّة دراسة بفحص التغيرات التشريحية في دماغ المرأة أثناء فترة الحمل.
تعمل (هويكزيما) مع زملائها على تغيير ذلك، ومن خلال عملهم كأعضاء منتسبين لدى جامعة برشلونة المستقلة في إسبانيا، قام الفريق باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي لفحص أدمغة 25 مرأة لم يسبق لهن أن ينجبن أطفالاً، مرتين، مرة قبل أن يحملن ومرة أخرى بين ثلاثة أسابيع إلى أشهر قليلة بعد أن يلدن أطفالهن، كما قام الفريق بفحص 19 أب لأول مرة في نفس المدد الزمنية، 17 رجلاً بلا أطفال، و20 امرأة بلا أطفال من اللاتي لم يحملن أثناء الدراسة، بعدئذٍ، قام الفريق باستخدام التحليل القائم على الحاسوب بفحص التغيرات في حجم الأنسجة الداكنة.
أظهرت النتائج انخفاضاً ثابتا وبقوة في حجم الأنسجة الداكنة لدى الأمهات بخلاف المجموعات الأخرى، وتقارير الفريق المنشورة في مجلة “Nature Neuroscience”، تتحدث عن التغيرات وبشكل رئيسي في مناطق الدماغ المسؤولة عن إنجاز المهام الاجتماعية كقراءة رغبات ونوايا الآخرين من خلال مطالعة الوجوه والتصرفات، كما يفقد “الحصين”، وهي المنطقة المرتبطة بالذاكرة، حجمه كذلك. أكثر من ذلك، اكتشف الفريق بأن نتائج الأمهات في الاختبار القياسي والذي من خلاله يتم قياس مقدار تعلق المرأة بطفلها، من الممكن التنبؤ به ولدرجة كبيرة بناءً على التغيرات في حجم الأنسجة الداكنة خلال مدة الحمل.
قام العلماء كذلك باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي بمراقبة عمل دماغ المرأة حين مشاهدتها لصور طفلها وصور أطفال آخرين؛ العديد من مناطق الدماغ التي فقدت من أنسجتها الداكنة أثناء مدة الحمل أظهرت استجابة هي الأكثر حدة من النشاط العصبي لأطفالهن بخلاف صور أطفال الآخرين (المقارنة بين استجابة الدماغ لصور طفل الأم وصور أطفال آخرين هو مقياس شائع يستعمله الباحثون لقياس الاستجابات العصبية للأطفال.
بعد مرور عامين، عاد 11 من 25 من الأمهات اللاتي لم يصبحن حوامل مرة أخرى لأجل التصوير بالرنين المغناطيسي، وأظهرت الفحوصات بأن الفقدان في الأنسجة الداكنة كان ما يزال موجوداً -باستثناء “الحصين”، حيث تم تعويض أغلب ما تم فقده؛ التغيرات كانت ثابتة جداً لدرجة تمكنت خوارزمية الحاسوب من التنبؤ بدقة 100% ما إذا كانت المرأة قد حملت من خلال التصوير بالرنين المغناطيسي.
لم يستطع الباحثون تفسير ما تعنيه النتائج بيقين -إذ ليس بحوزتهم تلك الوصولية لأدمغة النساء كما بحوزة العلماء بالنسبة للقوارض مثلاً-لكنهم خمنوا بأن الفقدان في الأنسجة الداكنة يمنح ميزة تكيف، وفق ما قالته (شويكزيما)، فقد سجلت بأن انخفاضاً مشابهاً في حجم الأنسجة الداكنة أثناء فترة المراهقة، عندما تكون الشبكات العصبية مُهيّئة بدقة لمزيد من الكفاءة والوظائف المتخصصة.
إلا إن علماء آخرين لم يشتركوا في الدراسة، سجلوا بأنها لم تكن المرة الأولى التي تم فيها إثبات تغيرات تشريحية بشكل واسع الانتشار في دماغ المرأة الحامل فحسب، بل تعدى الأمر ذلك بإظهار أن التغيرات تستمر بما لا يقل عن العامين؛ “إنها تفتح الباب أمام إمكانية تسببها لتغيرات في كيفية تربية الأطفال والتي من الممكن أن يكون لها آثار مترتبة على صنع القرار والسلوك في الحياة فيما بعد” يقول (ميل رثرفورد)، العالم في علم النفس التطوري بجامعة ماكماستر في هاملتن، كندا.
كما يضيف بأنه يرغب برؤية دراسات مشابهة على آباء تبنوا أطفالاً، وعلى أمهات تخلت عن أطفالهن للتبني، إذ إن ذلك قد يعزز من أدلة الدراسة الحالية بأن التغيرات تنشأ فقط من الحقيقة الفيزيائية للحمل وليس من الإجهاد وحرمان النوم الذي يعاني منه أي أبوين في حياة الطفل مثلاً، (في الدراسة الحالية، لم تشهد أدمغة الآباء الجدد أية تغيرات على الرغم من الإجهاد الحاصل.
تقول (آبي ماكبث)، وهي عالمة في الأعصاب تعمل لصالح (نولدوس) لتكنولوجيا المعلومات، وهي مؤسسة استشارية لبحث السلوك في ليزبورغ، فيرجينيا، كما أنها أم لطفلين في السادسة والتاسعة من العمر، بأن الانخفاض من الممكن أن يصبح زيادة عندما يستطيع الدماغ إعادة هيكلية ذاته للاستجابة لتغيرات الحياة، “هناك كل هذا الحديث المنقول حول حالة النسيان لدى النساء الحوامل، لكن ذلك قد يحدث في أماكن ليس بالضرورة لها علاقة بالعناية بأطفالنا” تقول آبي “هذا ما تريده الطبيعة منا أن نسلط الضوء عليه، هذه الورقة تفسر ذلك”.
من فضلك اضغط الاعلان
جزاكم الله خيرا
👇👇👇
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق