التحرش في أماكن العمل من التحديات التي تواجه المرأة المصرية، في ظل غياب لوائح للشركات تجرّم التحرش وعدم تفعيل القوانين.
وتصبح المرأة مكبّلة اليدين بين الشكوى (وتعريض شغلها للخطر ) أو السكوت (والبقاء في الوظيفة أو تركها).
يُعَدُّ التحرش في العمل من الظواهر المسكوت عنها في مصر؛ نظرًا لطبيعته المعقَّدة، حيث يصعب على المرأة المتحرَّش بها أن تفضح مديرَها أو زميلَها بسبب الطبائع الاجتماعية للمجتمع المصري التي تنصف غالبًا الرجال على النساء، وربما يتم تلفيق التهم للمرأة بأنها كانت ترغب في ذلك، أو السكوت وترك الوظيفة، وهو حصيلة نقاش DW مع ضحايا التحرش في العمل.
وفي المقابل، هناك جهود من قِبَل بعض منظمات المجتمع المدني لمواجهة هذه الظاهرة، على غرار إطلاق مؤسسة خريطة التحرش الرائدة في مجال مكافحة التحرش -بالتعاون مع مكتب محرم للسياسات العامة والاتصال الاستراتيجي- مبادرة مجتمعية بعنوان "شركات آمنة" بهدف القضاء على ظاهرة التحرش في أماكن العمل عبر وضع قواعد للسلوك في العمل، ولكنها تبقى قيد المحاولة.
تقول عليا سليمان، مديرة الاتصال في مبادرة خريطة التحرش الجنسي -وهي مبادرة انطلقت عام 2010- إن فكرة التعاون لخلق شركات آمنة بدأت مع نجاح شركة أوبر التاكسي الخاص في تبني سياسات داخلية لمنع التحرش.
وقد شجَّع نجاح أوبر خريطة التحرش على نشر هذه الثقافة في الشركات الأخرى.
وأضافت: "نستهدف شركات متوسطة الحجم تتبنى سياسات ضد التحرش في أماكن العمل، لمعرفة الإجراءات المتخَّذة ضد أي متحرش في الشركة، ودعمها بالدورات التدريبية للوعي بمعرفة التحرش وكيفية مواجهته".
وأوضحت سليمان في حوارها مع DW أن السكوت عن التحرش في العمل يرسِّخ التحرش ويعرقل كافة الجهود الرامية لمواجهة التحرش".
وأردفت: "من المهم التساؤل عن مدى وجود قواعد للسلوك قبل تلقي الوظيفة، أسوة بالسؤال عن عدد ساعات العمل والمرتب".
التحرش والصمت
تحدثت DW عربية مع ضحايا التحرش في العمل تحت أسماء مستعارة خوفًا على سمعتهم وحفاظًا على الخصوصية.
بداية أشارت لاميس عمر، مهندسة في مصنع، إلى تعرضها للتحرش اللفظي في مصنع ملابس.
تقول: "تقرَّبَ زميل إليَّ وسط الملابس بنظرات حادة وأبدى إعجابه بمظهري وحاول التقرب مني ولكنني هربت".
وأضافت: "تقدمت بشكوى إلى مديري ولكنه لم يتخذ أية إجراءات ضده لغياب الأدلة".
وأشارت إلى المضايقات التي تعرضت لها بعد هذه الحادثة قائلة: "الموظفون طالبوني بتغيير طريقة ملابسي إلى أكثر احتشامًا، ثم قاموا بعمل حساب على الفيس بوك يحمل نفس الاسم، لتشويه صورتي وقاموا بنشر أخبار كاذبة عني".
وبسبب ما تعرضت له من العمل في المصانع، قررت لاميس عمر ترك مجال الهندسة، والعمل في شركات دولية لوجود قواعد للسلوك تفصل المتحرشين من العمل.
شركات بغطاء الدعارة
تقوم بعض الشركات في مصر بنشر إعلان وظائف وهمية، كغطاء للبحث عن فتيات لأعمال الدعارة. تقول نرمين فؤاد إنها تقدمت لوظيفة وفقًا لإعلان على موقع إلكتروني، وتوجَّهت إلى مقر الشركة. ولكن المفاجأة بدأت عندما وصلت فؤاد إلى مقر الشركة ولم تجد سوى مكتب وكرسي في منطقة مهجورة. وعندما سألت صاحب العمل عن سبب خلو المكان من الموظفين، قال لها: "من الآن ستكونين مهندسة المكتب ومسئولة عنه".
وبدأت تشعر بتوتر شديد عندما اكتشفت أنه يرفض مكالمات أي رجل ويقول له لا يوجد شغل، ولكنه يقبل الفتيات فقط.
وأضافت: "الغريب أنها شركة هندسية، ولكنه كان يقبل فتيات خريجي تخصصات مختلفة مثل الحقوق والتجارة".
وتابعت: "بدأ يسألني أسئلة شخصية على غرار ارتباطي بشخص أو متزوجة، وعندما سألته عن علاقة هذه الأسئلة بالشغل أكَّد أنه نوع من الدردشة". وبدأت تشعر بالخوف عندما قام وأغلق باب المكتب، وحاولت الهروب من المكتب بحجج مختلفة". وأبدت ندمها على عدم هروبها منذ البداية، ولكنها كانت تبحث عن أي وظيفة للعمل.
بينما رضوى عباس، تعمل في شركة، تقول إنها تتعرض للتحرش الجنسي. شارحة: "يقوم مديري بلمس جسدي رغم الخطأ الذي أقع فيه وضميري الذي يؤلمني، ولكنه يساعدني في العمل ويقوم بترقيتي". وتابعت: "أتمنى أن أترك العمل أو أسافر خارج مصر، حتى أعمل في بيئة خالية من التحرش".
التحرش في العمل والثقافة المجتمعية
في يونيو عام 2015، أصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور قرارًا بقانون تعديل بعض أحكام قانون العقوبات لتشمل جريمة التحرش، ونصَّ القانون على الآتي: "يُعاقَب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأي وسيلة".
ويقول مايكل رؤوف، محامي حقوقي، إن القانون ينصف المرأة، ولكنه كان يتمنى في إضافة نص التعويض الملزم والسريع للمتضرر من التحرش.
واعتبر أن "تجريم التحرش في مكان العمل أمر يُحترَم من الدولة، والتعديل جاء لصالح مواجهة التحرش في العمل".
وفي دراسة حديثة لمؤسسة المرأة الجديدة عن التحرش الجنسي في أماكن العمل، أشارت إلى أن أغلب النساء يتعرضن للتحرش في القطاع العام والخاص سواء نظرة العين ذات الإيحاء الجنسي أو سماع ألفاظ وعبارات جنسية، كما أنه ليس مرتبطًا بمرحلة عمرية أو تعليمية.
توضح منى عزت، مدير برنامج المرأة والعمل بالمؤسسة،أن التحرش في العمل ليست ظاهرة حديثة، فهي ممتدة منذ سنوات. وترى عزت أن التحرش في العمل مرتبط بأشكال العنف والتمييز ضد النساء في المجتمع المصري، حيث يحمل الرجال أفكارًا نمطية عن النساء.
فضلًا عن تعرض النساء لسلطة صاحب العمل، خاصة في القطاع الخاص لعدم وجود عقود عمل دائمة مثل القطاع الحكومي، حيث تبقى رهن هذه السلطة التي تحكمها علاقات العمل.
وتتساءل باستياء: "تخيَّلي كم الضغط العصبي والنفسي الذي تتعرض له من النظرات اليومية، وتنزل من بيتها وهي معرضة للعنف الجسدي والنفسي من نظرة العين لملابسة الجسد".
واعتبرت عزت أن التحرش في العمل لم يعد ظاهرة مسكوتًا عنها. وتفسِّر: "هناك اعتراف بوقوع جرائم عنف ضد المرأة، خاصة من جانب الدولة التي تصدر قوانين تجرِّم التحرش وتصدر تقارير ودراسات عن مخاطر التحرش والعنف ضد المرأة، أي أن هناك اعترافًا من جانب الدولة بخطورة المشكلة".
ولكنها ترغب في تفعيل هذه القوانين، ووجود سياسات داخل الشركات والمصانع لمواجهة التحرش والعنف الجسدي ضد النساء.
من فضلك اضغط الاعلان
جزاكم الله خيرا
👇👇👇
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق