مرض ألزهايمر هو آفة دماغية تصيب ما يقارب 47 مليون شخص حول العالم. وهو السبب الأكثر شيوعاً للخرف في العالم الغربي. وبرغم ذلك ففي الوقت الراهن لا يوجد أي علاجات فعالة لمعالجة المرض او منع تقدمه الذي لا هوادة فيه.
ما يسبب مرض ألزهايمر هو تراكم نوعين من البروتينات الشاذة، اميلويد بيتا وبروتين تاو. بروتين تاو مهم بشكل خاص لأنه يسبب موت الخلايا العصبية ووصلاتها، وهذا من شأنه أن يمنع التواصل الطبيعي بين المناطق المختلفة من الدماغ.
في أكثر الحالات تظهر إمراض تاو في مراكز الذاكرة من الدماغ والمعروفة بأسم (القشرة الشمية الداخلية) و(الحصين). ويبدو أن هذا الامر يحدث قبل ظهور اعراض المرض بسنوات عديدة. وبمرور الوقت تبدأ كميات تاو في التزايد عبر اجزاء الدماغ الاخرى. ويؤدي هذا إلى تطور الاعراض المميزة للمرض، حيث يعقب فقدان الذاكرة الابتدائي تغييرات كبيرة في طريقة التفكير والتصرف من شأنها منع المصاب من الاعتماد على نفسه. اما عن طريقة حدوث هذا الامر فهو امر ما زال موضع جدل.
الانتشار عبر العصبونات
في دراستنا المنشورة في مجلة (براين) نحن نوفر أولى الدلائل المأخوذة من البشر على انتشار تاو بين الخلايا العصبية المتصلة. وهذه خطوة مهمة لأن العمل على ايقاف هذا الانتشار في مراحله الاولى قد يكون من شأنه منع او ايقاف ظهور اعراض مرض ألزهايمر. إن فكرة (الانتشار عبر العصبونات) كانت مطروحة من قبل ومدعومة بالدراسات التي تم اجراءها على الفئران. فإذا تم حقن بروتين تاو غير طبيعي في دماغ فأر سليم، فإنه يبدأ بالانتشار بشكل متسارع مسبباً ظهور اعراض الخرف على الفأر.
مع ذلك فلم يحدث من قبل أن تم اظهار حدوث العملية ذاتها عند البشر. والنتائج المستخلصة من الدراسات على الفئران كانت محط جدل، لأن كميات تاو المحقونة كانت عالية جداً، وتطور المرض لديها حدث بسرعة اكبر بكثير من تطوره عند البشر.
في دراستنا قمنا بجمع آليتين حديثتين لتصوير الدماغ.
الاولى هي PET (التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني)، وتسمح لنا بعمل مسح للدماغ بحثاً عن وجود جزيئات محددة. بهذه الطريقة كانت لنا القدرة المباشرة على ملاحظة بروتين تاو الغير طبيعي في المريض الحيّ، ورؤية كمياته في كل جزء من الدماغ بدقة اكبر. والالية الثانية هي fMRI(التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي)، الذي يتيح قياس تدفق الدم بداخل الدماغ في الوقت الحقيقي، وهذا يسمح لنا بمراقبة النشاط الذي تنتجه مناطق الدماغ عند التواصل فيما بينها.
وبإجراء الفحوص على نفس الاشخاص باستعمال الاليتين، تمكنا ولأول مرة من الربط المباشر بين الوصلات بداخل الدماغ وتوزيع بروتين تاو الغير طبيعي في دماغ الاحياء من المصابين بمرض ألزهايمر. ثم قمنا باستعمال تقنية رياضية تدعى (تحليل الرسم البياني) لتحليل التواصل بداخل الدماغ. ولتحقيق ذلك قمنا بتقسيم الدماغ الى 598 منطقة ذات حجوم متساوية. ثم تعاملنا مع الاتصال بين المناطق المختلفة تماماً كما نتعامل مع الاتصال بين البشر في الشبكة الاجتماعية الواحدة، أي قمنا بتقييم عوامل مثل عدد الوصلات التي تمتلكها منطقة محددة من الدماغ، وعدد مجاميع “الصداقة” التي تلعب فيها دورا، وكم من هذه الوصلات في المناطق الدماغية كانت مرتبطة بمناطق اخرى. ففي وباء الانفلونزا يحمل الاشخاص ممن يمتلكون علاقات اجتماعية أكثر، يحملون قدرة أكبر على تمرير العدوى للأخرين. وبشكل مشابه تتوقع فرضية الانتشار عبر العصبونات أن مناطق الدماغ المرتبطة بقوة ستحمل كميات أكبر من بروتين تاو، هذا ما تم ملاحظته. هذه العلاقة موجودة بداخل كل منطقة من الدماغ بشكل منفصل كما انها موجودة عبر الدماغ ككل.
كما كان بمقدورنا تنحية تفسيرات اخرى بديلة لسبب ظهور تاو عبر الدماغ. فقد كان من المقترح سابقاً أن ظهور تاو في المناطق الضعيفة من الدماغ قد يكون بسبب ارتفاع الحاجة الايضية او انخفاض الدعم من المناطق المجاورة. وفيما قد يكون من المحتمل أن تلعب هذه العوامل دوراً مهماً في موت الخلايا العصبية، فإن ملاحظاتنا لم تكن حاسمة في كونها السبب الرئيسي للتراكم الاولي لبروتين تاو غير الطبيعي.
وبالإضافة لذلك فعند النظر إلى المرضى عبر مراحل مختلفة من تطور المرض، بداية بالضعف المعرفي الخفيف وحتى تطور مرض ألزهايمر، تمكنا من فصل اسباب تراكم تاو عن عواقبه. اوضحنا أن الكميات المتزايدة من تاو في دماغ المصاب بالمرض هي المسببة لفقدان الاتصال بين اجزاء الدماغ بصورة عامة، وبأن الاتصالات الباقية تصبح عشوائية بشكل متزايد.
الاتصالات بعيدة المدى
وفي النهاية قمنا بمقارنة هذه الاكتشافات عن ألزهايمر مع حالة اخرى تسمى (الشلل البصلي الكاذب PSP) والتي تصيب ما معدله ثلاثة من كل 100 ألف شخص. هذه الحالة يسببها تاو ايضاً لكن مكان الانتشار يكون محصوراً في قاعدة الدماغ، واثبتنا أن الادلة في حالة PSP لا تدعم الانتشار بين العصبونات. وقد يرجع السبب في ذلك لوجود نوعين مختلفين من بروتين تاو في المرضين. في مرض ألزهايمر يكون تاو بهيئة (خيوط حلزونية مزدوجة)، بينما في PSP يكون بهيئة (خيوط مستقيمة). كما اظهرنا أنه اثناء تطور PSP فإن الاتصالات المباشرة بعيدة المدى تتضرر اولاً، ما يعني أن تبادل المعلومات يتم بطرق فرعية غير مباشرة عبر الدماغ. وهذا من شأنه تفسير الحصول على اجابة بطيئة لكن صحيحة عند طرح سؤال على مريض PSP.
وبشكل عام فإن الدليل على الانتشار بين العصبونات في البشر المصابين بمرض ألزهايمر يزودنا بالبرهان على اتخاذ استراتيجيات علاج جديد يعمل على تقييد تاو قبل تمكنه من احداث ضرر بالغ.
من فضلك اضغط الاعلان
جزاكم الله خيرا
👇👇👇
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق